المدرسة الأثرية في قطر
1334-1357هـ
1913-1938م
بدأت الدراسة في أول الأمر في حجرة أفردت لذلك الغرض في قصر الحاكم الشرقي بفريق الهتمي (مكان متحف قطر الوطني حاليا)، ثم انتقل إلي منزل (لآل الباكر)قرب سـوق الشيخ محمد بن علي آل ثاني ، بعد ذلك أسست المدرسة الأثرية في الجسرة قرب قصر الدوحة الحالي.(9)
المنهج ومواد الدراسة:
كان الشيخ محمد المانع يمتاز بالجمـع بين علم السلفيين في نجد ، وعلم المجددين الذين درس عليهم سواء في مصر أوالعراق أو الشام .ولذا كان جديرا بإنشاء وإدارة مدرسة متميزة، أصبح خريجوها هم الخميرةالتي شكلت المعرفة لدي رجال قطر الذين تتلمذوا عليه سواء استمروا في مجال التعليم، أو انخرطوا في سلك التجارة والأعمال، فقد أصبح منهم العقل الناقد والفكر الواعي ، كما ظهر ذلك جليا في حياة بعض الذين وفدوا إليه مـن الشارقة وإمـارات الســاحل(10).
كان منهج الدراسة في المدرسة الأثرية قد خصص للبالغين الذين كانوا يهتمون بالتخصص في الدراسات الإسلامية والأدب العـربي ، وكان المنهج الدراسي يتكون من مواد الشريعة الإسلامية وأقوال الرسول، وقواعد اللغة العربية والأدب والبلاغة (11).وكانت مواد الدراسة علي النحو التالي:
أ-العلوم الشرعية وتشتمل علي:
1-علوم القرآن: وتضمنت بالإضافة إلي الحفــظ والتلاوة والتجويد, أسباب النزول, وتفسير الغريب والمتشابه وآيات الأحكام في المعاملات والأحوال الشخصية
2--التوحيد : وهو فرع من العلوم الإسلامية،لدراسة العقيدة الإسلامية دراسة تفصيلية وكان يدرس فيها كتابان
" كشف الشبهات " للإمام محمـد بن عبد الوهاب
، "شرح التوحيد فتح المـجيد " للشيخ عبدالرحمن بن حسن آل الشيخ.
3-الفقه: لمعالجة شؤون العبادات والمعاملات الإسلامية معالجة تتناول كافة الجزئيات ، وقد درس فيه كتب كثيرة من أهمها:
-نيل المآرب –شرح دليل الطالب في الفقه الحنبلي للشيباني.
-كشاف الإقناع وشرح متن الإقناع للشيخ منصوربن يونس البهوتي.
- المقنع في الفقه الحنبلي لابن قدامة
4- ولأن الحديث الشريف هو المـصدر الثاني للتشــريع الإسلامي بعد القرآن الكريم ، فقد كان الاهتمام بتدريسها مـن ناحية صحتها وصحة الإسناد والجـرح والتعديل ، ورواة الحديث ليعرف الدارس كيف يميز بين الصحيح وغير الصحيح من الأحاديث
ب – اللغة العربية: وتشمل:
1-فقه اللغة
2-قواعد اللغة العربية في النحو الصرف
3-البلاغة
4- الأدب نثرا وشعرا
وكل فرع من هذه الفروع يتفرع بدوره إلي فروع متعددة . وقد اعتمد في تدريس اللغة العربية علي ثلاث كتب هي :
-الأجرومية وشرحها للكفراوي
-شرح القطر لابن هشام الأنصاري
- ألفية بن مالك مع شرح بن عقيل
هذه الكتب إلي جانب ماكان يقوم الطلاب بنسخه عن الشيخ محمد المانع في كل فرع من الفروع.(12)
نظام المدرسة وأسلوب التدريس :
لم يكن هناك عدد معين مـن السنوات لكي يكمـل الطالب دراسته ، فقد كان الفيصل في إنهاء الدراسة هو شعور الطالب بأنه حصل علي ما جاء من أجله إلي المدرسة ، أوأنه مازال محتاجا إلي مواصلة الدراسة والاستزادة من العلم ، فكان يمكنه الذهاب إلي بلاد الحجاز أو العراق أو مصر أو سوريا ، وكان الشيخ محمد المانع يحترم رغبات خريجي مدرسته وينصحهم مخلصا لهم النصح ، كما كان يزود الخريج بشهادة تنص علي أن الخريج الذي يدعي " طالب علم " قد أنهي الدراسة في مدرسته.(13)
كان الشيخ بن مانع رحمه الله يقوم بتدريس العلوم الشرعية والتوحيد والفقه والحديث واللغة بأسلوب يعتبر تجديدا مؤثرا في منهج المعرفة ، حيث أن تلاميذه ظلوا علي اهتمام بالغ بطلب المعرفة وأصبحوا روادا في سائر المنطقة ، وكانوا من أشد المتحمسين لطباعة الكتب ونشرها ، وتأسيس المكتبات وإقامة منتديات البحث والحوار ، وفيهم الفقيه والأديب والشاعر.(14)
طريقة التدريس ونظامه:
اتبع الشيخ محمد المانع نظاما حديثا -في ذلك الوقت-وقد اختار لهذا النظام أربعة أساليب:
أ-نظام الساعات المكتسبة وهذا النظام كان متبعا بالأزهر الشريف ، وقد أتاح هذا النظام لطلبة المدرسة الاستيعاب الكامل للمادة التي يرغب الطالب في إنهائها ، ثم إذا رغب في الاستزادة عليه أن يتابع دراسته في العراق او مصر أو سوريا، ويعود إلي المدرسة إن رغب في دراسة مادة أخري .
ب : الحلقات الدراسية الأزهرية: وقد قسم الشيخ طلابه إلي حلقات دراسية ، وهو في ذلك متأثر بالأسلوب السائد في الأزهر فكان هناك حلقات للتفسير والفقه والحديث والتوحيد ، وكان هـو الموجه أو المشرف ، لأن كل حلقة كان يقودها أكثر التلاميذ فطنة وذكاءا.
ج- تعميق روح البحث: وكان هذا الأسلوب فريدا لأنه ابتعد عن الأسلوب التقريري ، وفتح المجال أمام البحث والمقارنة والخروج بنتائج رائعة ، إذ نبغ كثير من الطلاب وحصلوا من بحثهم علي معلومات لاتتوفر لكثير من الجامعيين.
وكانت الطريقة عبارة عن اختيار موضوع في كتاب ثم عرض الآراء المختلفة بين مؤيد ومعارض والخروج برأي في هذا الموضوع.
د – التدريب العملي : كان الشـيخ يهتم بالتدريب العمـلي لتلاميذه ، مع ترسيخ روح المنفعة الاجتماعية بربط التعليم بالمجتمع ، كأن يوجه أحدهم للإفتاء وهـذا للمناقشة الأدبيـة وآخـر للـوعظ في مكان عام.
توليه القضاء في قطر:
بعد عامين من افتتاح المدرسة تولي الشيخ محمد المانع القضاء في قطر ، فنقل المدرسة إلي دار القضاء (مبني المحاكم الشرعية الحالي). وكان التدريس بها من شروق الشمس إلي الساعة الحادية عشر صبا تقريبا ، ثم يبدأ نظر القضايا المعروضة، ويتم ذلك بحضور التلاميذ الذين يقومون بتدوين ما يدور أمامهم من مناقشات التقاضي والآراء المختلفة والأحكام، وعند أذان الظهر ينتقل التلاميذ إلي المسجد المجاور ويؤمهم في الصلاة، ثم يجلس للإفتاء وحوله التلاميذ يسمعون ويسألون ويدونون.
وكان هذا الأسلوب في التعليم والتدريب يحتاج إلي مكتبة ، وبالتالي فقد كان لهذا النظام أثره في تنمية مكتبة المدرسة الأثرية ، والمكتبات الخاصـة لدي التلاميذ ، ممـا كان له أثرعظيم في نشـوء المكتبات في قطر(15).
التحق بهذه المدرسة عدد كبير من الطلبة القطريين وعدد آخر من الطلبة من الشـارقة أرسلهم الشيخ علي المحمود ليكملوا دراستهم بالمدرسة الأثرية، وطلبه من نجـد والكـويت وإيران بدعـوة مـن الشيـخ ابن مـانع (16) .
(9) كمال ناجي : مرجع سابق ص 516
(10) قطر وثروتها النفطية ص 216
(11) يوسف إبراهيم العبد الله : مرجع سابق ص 308
(12) كمال ناجي : مرجع سابق ، ص 516-518
(13) يوسف إبراهيم العبد الله : مرجع سابق . ص 308
(14) قطر وثروتها النفطية ص 216
(15) كمال ناجي : مرجع سابق ص 518-522
(16) يوسف إبراهيم العبد الله :مرجع سابق ص 308