مـقـدمـــــــة

          إن سير العلماء وحياتهم ، ونشاطهم العلمي والثقافي والإجتماعي يلقي الضوء علي جوانب الحياة في عصرهم ... فهم القضاة والفقهاء والمعلمون ، منهم وعنهم يتعلم الناس القراءة والكتابة وحفظ القرآن، والفقه والحديث والتفسير وعلوم العربية والتاريح والأنساب, وفي مجالسهم يحدثون فيوجهون إلى الطريق القويم, يغرسون المثل العليا والقيم الاجتماعية وضوابط السلوك والطاعة لله ولولى الأمر . ينصحون ويدعون إلى الخير والحق.

          نحن أمام علم من رواد التربية والتعليم أحدث نهضة فكرية وثقافية كان لها أثرها وكان تلاميذه وطلبته هم رواد التعليم والفكر والثقافة ليس في قطر وقلب نجد . وحدها بل في شرق الجزيرة عامة.

          قاد حملة لمقاومة الغزو الفكري والهجمة التبشيرية التي ظهرت في بداية القرن الماضي ، والتي حملتها سفن المستعمرين والغزاة والمغامرين، ففضح شعاراتها وكشف زيفها واسكت محاولاتها بما حباه الله من قوة منطق واسلوب مقنع.

          استخدم في شروحه ودروسه منهجا عمليا ومنطقا سليما لم يخرج عن الكتاب والسنة فحول تلاميذه إلى دعاة وخطباء في المساجد والأسواق ... فأبطل البدع والخرافات وبين للناس مضارها على العقيدة الإسلامية ... و تخرج من مدرسة الدوحة " الأثرية " رجال حملوا شعلة العلم في بلادهم وكانوا قدوة لمن بعدهم .وكان حقيقة أبو التعليم الحديث في الجزيرة العربية.

          هو بحق رائد نهضة تعليمية وصاحب أسلوب متطور في التعليم الديني والشعبي، حمل لواء تلك النهضة وأخذ علي عاتقة محاربة كافة مظاهر الجهل والبدع ، قضي حياته إما طالبا للعلم أينما كان ومهما كانت الصعاب في سبيله ، في زمن كانت وسائل النقل قليلة ومرهقة ، أو ناشرا لعلمه ومعرفته ، داعيا للعلم والفضيلة ، محاربا للبدع وموضحا ما غمض فهمه عن العامة والمتعلم ، فكان رحمه الله نعم المتعلم والمعلم.

          أحب قطر وأحبته وبجله حكامها وقدموه، وعاش فيها ولم يستطع إلا أن يعود لها، فكان له فيها الأهل والصديق والولدالصالح والعمل الطيب، عاد ليبقي فيها إلي اليوم المعلوم فبكته مع جنباتها ضفاف الخليج.

          كان تقسيم هذا البحث إلي فترات زمنية نابعا من طبيعة حياته التي عاشها ، لم يخلط فترة بأخري ، ولا عمل بعمل فكان رحمه الله يخلص تماما لكل عمل أوكل إليه.

          فنجده دارسا لم يشغله شاغل عن دراسته، انقطع لها عما حوله كما تفيد سيرته حتى عام 1329هـ، ولم يشعر إلا بوفاة والدته ... أوفي مهمة أخـذها علي عاتقه حتى تمامها،وجني ثمارها ، أوما أملته الظروف والأقدار عليه فيها.

          قسّم البحث إلي ستة فصول : وقد كنت حريصا علي استعمال كافة المراجع التي تغطي كل فصل ، أو تتناول الزمان والمكان، وكذلك مراجعة كافة الآراء .. وبالطبع كان هناك بعض الإختلافات ، وخاصة فيما يتعلق بأسماء من أخذ عنهم ، وكذلك فترات عمله في البحرين وقطر والسعودية ، فبعضهم قـدم فترة وأخر الأخرى، وحاولت قدر جهدي الوصول إلي الرأي الأقرب إلي الصواب ، وبالطبع معاصرو الشيخ المانع- متعهم الله بالصحة والعافية - سوف يتوصلون إلي الحقيقة والصواب مـن بين كل مـا كتب عن هذا الرجل.

والله المستعان ليس فوق علمه علم، يعلـم ما نخفي وما نعلن، وهو الموفق

 

عبد المنعم يسن الوكيل

الدوحة:15 رمضان 1425