الشيخ محمد المانع في القاهرة ودمشق:

استمر الشيخ محمد المانع في العراق يحصد مايمكنه عن أفاضل علمائها الأجلاء وما أكثرهم ، ينتقل من هذا إلي ذاك ، لم يترك بابا للعلم إلا طرقه بإلحاح حتي يحصل علي مايبتغي عملا بقول الرسول " طلب العلم فريضة علي كل مسلم " وقول لقمان لابنه " يابني جالس العلماء وزاحمهم بركبتيك ، فإن الله يحي القلوب بنور الحكمة كما يحي الأرض الموات بوابل السماء" .

 

ظل شيخنا في بغداد أربع سنوات وكان قد بلغ الثانية والعشرين أي حوالي سنة 1322هـ.

 

شد الشيخ الرحال إلي القاهرة وعينه علي الأزهر الشريف ولم يكن يبتغي الحصول علي شهادة بعينها، وإنما كان هدفه العلم ينهل منه أينما وجد.

 

العلـم كنز وذخــر لافناء له نعم القرين إذا ماصـاحب صحبا

 

يا جامع العلم نعم الذخر تجمع لا تعــدلن به درا ولا ذهبــا

 

مكث صاجبنا في الأزهر ثلاث سنوات حضر خلالها دروس ولقاءات للشيخ محمد عبده 1266-1323هـ ،والشيخ محمد رشيد رضا 1282-1354هـ ،وقرأ الروض المربع شرح زاد المستقنع ، وبعضا من شرح دليل الطالب، كما قرأ النحو والعلوم السائدة في الأزهر علي الشيخ محمد الذهبي (شيخ رواق الحنابلة)* وشيخ الحنابلة بمصر (16). وكان شديد الإعجاب بآراء وأفكار السيد جمال الدين الأفغاني كما تأثر الشيخ المانع كثيرا بفكر كل من الشيخ محمد عبده والشيخ محمد رشيد رضا وخاصة ما يتعلق بمحاربة التبشير والمبشرين وكيفية الرد علي ادعاءاتهم ومحاولاتهم في التأثير علي عقول البسطاء .

 

توجه الشيخ بعد ثلاث سنوات إلي دمشق، سمع علي أشهر علماء عصره الشيخ جمال الدين القاسمي 1283-1332هـ، سمع عليه صحيح البخاري، وحضـر الدروس التي كان ينظمها العلامـة الشيخ عبد الـرزاق البيطار 1250-1335 هـ، وحضر دروس الشيخ بدر الدين* محدث الشام التي كان يلقيها في الجامع الأموي.

 

العودة إلي بغداد :

عاد الشيخ محمد المانع إلي بغداد ولازم الشيخ محمود شكري الألوسي ، وقرأ عليه كثير من مؤلفات شيخ الإسلام بن تيمية خاصة وأن الألوسي ممن تتلمذ علي مبادئ المدرسة السلفية لابن تيميه والشيخ محمد ابن عبد الوهاب ، كما قرأ عليه كثير من الرسائل المختصرة في المعاني والبيان والبديع مثل الفريدة في الاستعارات، وشرح التلخيص ، وقرأ عليه شرح بن عقيل علي ألفية بن مالك وشرح السيوطي، وشرح القطر للفاكهي [مجيب الندا إلي شرح قطر الندي ] وقرأ شرح منظومة الشيخ حسن العطار في علم النحو ، كما قرأ لوامع البيان للرازي[ اللوامع البينات في شرح أسماء الله والصفات] ومراجعة لوائح الأنوار [ لوائح الأنوار البهية وسواطع الأسرار الأثرية لشرح الدرة المضيئة في عقد أهل الفرقة المرضية] وشرح العقيدة الأصفهانية لابن تيمية ، كما قرا عليه بعضا من تفسير البيضاوي ، وشرح السلم في المنطق [ سلم العلوم للبهاري ، محب الله ] وشرح الدمنهوري [ إيضاح المبهم من معاني السلم] وشرح الرسالة الألوسية لعبد الباقي الألوسي في العروض والقوافي ، وقرأ علي السيد علي بن نعمان الألوسي الأمثلة والبناء في التصريف ، وشرح السعد علي العزي [ شرح سعد الدين التفتازاني علي التصريف العزي ، أو العزي في التصريف للزنجاني(17) ومغني اللبيب لابن هشام .

 

كما قرأ بعض الكتب في آداب البحث والمناظرة علي الشيخ عبد الوهاب بن عبد القادر ، وعلي الشيخ عبد الرزاق الأعظمي قرأ دليل الطالب في الفقه الحنبلي [ للشيخ مرعي المقدسي] ، وقرأ علي الشيخ يحي بن قاسم الوتري شرح العلوي علي السلم وحاشية المرصفي علي شرح المقولات العشر [ حاشية علي بيتي المقـولات العشر للشيخ أحـمد السجاعي ] . كما قرأ كثيرا من كتب التاريخ والأنساب.

 

عاد إلي عنيزة سنة 1329 هـ، وقرأ علي قاضيها الشيخ صالح بن عثمان القاضي*(18) الروض المربع شرح زاد المستقنع وغير ذلك وكان الشيخ محمد المانع رحمه الله لايمل من السفر والترحال في طلب العلم حافظا لقول الإمام الشافعي:

 

مافي المقام لذي عـــقل وذي أدب

 

من راحة فـــدع الأوطــان واغترب

 

ســافر تجـد عوضــــا عمــا تفارقه

 

وانصب فإن لذيذ العيش في النصب

 

إني رأيت وقـــوف المــــاء يفسده

 

إن سار طاب وإن لــم يسر لم يطب

 

والأسد لولا فراق الغاب ما افترست

 

والسهم لولا فراق القوس لم يصب

 

والتبر كالترب ملـــقي في أمـاكنه

 

والعود في أرضه نوعا من الحطب

 

في عام 1330هـ عاوده الحنين إلي الشمال فنزل إلي بلدة الزبير من أعمال العراق فقرأ علي الفقيه الحنبلي الشهير بها الشيخ محمد العوجان 1269-1342هـ*(19) الفقه والفرائض والحساب . ويقول الشيخ محمد المانع عن الفترة التي قضاها في الزبير " كنت رأيت الشيخ عبد الله بن حمود يدرس فإذا هو فقيه كبير فشرعت في القراءة عليه في (شرح الزاد ) إلا أن ظروفي لم تمكنني إلا من قـراءة مقـدمــة الكتاب "(20)

 

كان الشيخ محمد المانع في رحله الدراسة والبحث عن العلم والمعرفة ، لا يترك فرصة إلا ويقوم يشرح مبادئ دعوة الشيخ محمد بن عبد الوهاب ، ومفسرا ما غمض من جوانبها علي السائلين سواء في العراق أو دمشق والقاهرة ، وكان دؤوبا علي البحث والتحصيل ملازما للعلماء ومراسلتهم نادرا ماتجده لايقرأ .

 

كان مواصلا ليله بنهاره مجدا مجتهدا في القراءة والتحصيل والمراجعة والبحث ، سريع الحفظ ، بطيء النسيان حاضر الخاطر .. اطلع علي مالم يطلع عليه غيره ، وحفظ من أنواع العلوم مالم يحفظ سواه .. فصار آية في حفظ المتون واستحضار مسائلها ، حجة في العربية لاسيما النحو.

" ذلك فضل الله يؤتيه من يشاء واللـــه

واســع عليم" صدق الله العظيم

 

وقد قام بشرح شواهد القطر وشواهد المغني ولما اطلع علي شرحه بعض مشائخه في بغداد مدحه بأبيات منها:

 

درر قــد نثرتهــا أم دراري

 

نـيرات لها بديع نثـاري

 

أم مثاني سبل الهدي منك ضاءت

 

أثر قطـر الندي علي الأقطار

 

لو رأي ماحـوي ابن هشــام

 

قال مهلا هشمت أنف افتخار

 

أو رأي مانظرت فيه ابن معطي

 

قال جاد ابن مانع بنضــار

 

دمت يامـن سما بفضل وعلم

 

فوق هام السها مدي الأعصار

 

كما كان مطلعا علي التفاسير ، ماقاله المفسرون وما اتفقوا عليه أو اختلفوا فيه ، حافظا للسنة وشروحها وأسانيدها، حجة في فقه الحنابلة . وهذه مقولة لابن قتيبة " ولا يزال المرء عالما مادام في طلب العلم ، فإذا ظن أنه قد علم فقد بدأ جهله " .

" وما أوتيتم من العلم إلا قليلا "

صدق الله العظيم

 

*هو الشيخ بدر الدين يوسف بن عبد الرحمن بن عبد الوهاب بن عبد الله المراكشي السبتي المغربي أصلا الدمشقي مولدا ، عالم بالحديث معتصم بالكتاب والسنة ، حافظ متمكن ، كان يقرأ كل جمعة بعد الصلاة صحيح البخاري بالجامع الأموي

 

(16) الزركلي : الأعلام مج 6 ص 136 ( ط 12)[* هو الشيخ محمد بن سبيع بن يحي الذهبي البسيوني الحنبلي مذهبا ، كان شيخ الحنابلة بمصر، حصل علي بيورلدي عالي من الدرجة الثالثة من الأزهر بقرار رقم 952 لسنة 1320هـ (1902) وعين شيخا برواق الحنابلة ، وفي عام 1329 هـ عين بالقرار رقم 81 من مجلس الأزهر للتدريس بالسنة الأولي في الأزهر (1911) توفي بعــد 1338 هـ ومـن كتبه " الأقوال المرضية في الفقه"

(17) يوسف إليان سركيس : معجم المطبوعات العربية والمعربة مج 1 ص 977 ،637

(18) محمد عبد العزيز المانع : الإعلام فيمن ولي عنيزة من الأمراء والقضاة الاعلام ص 311 [*كان القضاء في تلك الفترة للشيخ صالح بن عثمان القاضي ، لأنه بعد وفاة والد شيخنا عام 1307 هـ تولي القضاء

بعده الشيخ عبد الله بن عائض لمدة سبع سنوات ، ثم الشيخ إبراهيم بن حمد الجاسر من بريدة لمدة سبع سنوات ، ثم كانت فترة قضاء الشيخ صالح بن عثمان القاضي نحوا من 27 سنة.]

(19) عبد الرحمن آل الشيخ : مشاهير علماء نجد وغيرهم ص 282-283

(20) عبد الرزاق عبد المحسن الصانع وعبد العزيز عمر العلي : إمارة الزبير بين هجرتين بين سنتي 979-1342هـ .-- 1988م.—مج 3 ص 178